لماذا يتقرب “محسن” من “المؤتمر الشعبي العام”..؟
صلاح السقلدي
تتشابه الأسباب التي دعت اللواء علي محسن الأحمر إلى التفكير باستخدام الورقة الحزبية مع الأسباب التي استخدمها قبله الرئيس عبد ربه منصور هادي. فكلاهما كانا بحاجة ماسّة لوسيلة سياسية معترف بوجودها داخلياً وخارجياً لتكون أداة مشروعة للبقاء من خلالها بواجهة المشهد السياسي، أو للتمسك بالموقع الذي يحتله كل منها.
و كان حزب “المؤتمر الشعبي العام” الذي اختاره قبل أيام الأحمر لهذه المهمة بإعلانه القائل إنه سيعيد تفعيل نشاطه فيه باعتباره – حسب قوله – من مؤسسيه الأوائل، هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لاستخدامها لهذه المهمة الطارئة.
الرئيس هادي، وبرغم معرفته أن تأثيره داخل “المؤتمر” يكاد يكون معدوماً، إلا أنه لم يجد بدّاً من استخدام ذلك التأثير في خضم حربه التي استعرت – وما زالت – مع رئيسه السابق بالحزب والدولة، علي عبد الله صالح، قبيل هروب الأول من صنعاء.
و ما زلنا نتذكر كيف حشّد هادي مؤيديه داخل “المؤتمر” في الجنوب بقيادة محافظ عدن السابق، د. عبد العزيز بن حبتور، والقيادي “المؤتمري”، أحمد الميسري، وآخرين لهذه المهمة، قبل أن تتعثر على وقع نشوب الحرب في مارس 2015م، وبعد انشقاق د. حبتور عن هادي، وانحيازه حزبياً وسياسياً إلى جانب الرئيس صالح.
و اليوم، اللواء علي محسن الأحمر يتلمس ذات الطريق والطريقة للوصول إلى مبتغاه. فهو بمسيس الحاجة إلى هكذا وسيلة لتكون كما أسلفنا أداة سياسية يأخذ منها شرعية عودته إلى الواجهة في حال فقد منصبه الحالي كنائب لرئيس الجمهورية، أو تكون له عوناً ببقائه بمنصبه الحالي إن أمكن له ذلك.
و هذا التوجه من الأحمر يشي بأن الرجل استشعر جدية ما يطرحه المجتمع الدولي والإقليمي من مبادرات للتسوية السياسية القادمة التي تنسج خيوطها بإتقان على منوال دولي وإقليمي ناعم، داخل أروقة معتمة ستعيد غربلة المواقع والترتيبات والأولويات لكل القوى والشخصيات اليمنية، بحسب ما تقتضيه المصلحة الدولية والإقليمية أولاً، واليمنية ثانياً، وستطيح بالتأكيد برؤوس وقوى من مواقعها قد يكون الأحمر من بينها، وتأتي بأخرى بدلاً عنها بحسب ما يوائم ذلك مصالح الكبار في المنطقة والعالم.
فـ”المؤتمر الشعبي العام” بالنسبة للأحمر مازال كـ”وادٍ ذي زرع”، ويصلح أن يكون ورقة سياسية قوية بحكم عدة أسباب، منها امتلاكه لأكبر كتلة برلمانية في برلمان ما زالت شرعيته قائمة بإجماع الكل في الداخل والخارج – في حال أسندت لهذا البرلمان مهام وصلاحيات مستقبلية من رحم التسويات المرتقبة -، فضلاً عن أنه – أي “المؤتمر الشعبي العام”- وفقاً للمبادرة الخليجية التي ما زالت تشكل إحدى المرجعيات الرئيسية للتسوية السياسية السابقة بعد ثورة عام 2011م، وإحدى مرجعيات التسويات السياسية المقبلة بحسب إجماع الأطراف السياسية اليمنية على اختلاف توجهاتها، يمتلك نصف المناصب التي تقاسمتها أطراف نزاع عام 2011م.
و على ذلك، فعين اللواء الأحمر ما تزال شاخصة نحو هذه النقطة ليعمل بواسطتها، أو على الأقل يثير من خلالها – إن هو فشل في توظيف “المؤتمر” لمصلحته – حالة إرباك داخل “المؤتمر الشعبي العام”، الذي ما تزال اليد المؤثرة فيه لخصمه علي عبد الله صالح، ليشكل بالتالي هذا الإرباك حالة شلل وتصدع داخل “المؤتمر”، وحالة من التشويش لدى المجتمع الدولي حيال هذا الحزب، وهذه المهمة بحد ذاتها مكسب للأحمر إن طالها، فإثارة المتاعب للخصم داخل جبهته يُعدّ مكسباً مهماً وفقا لفلسفة ومنطق الحروب.
هذا فضلاً عن وجود غرض للأحمر من اتخاذه لهذه الخطوة، أي خطوة اقترابه من “المؤتمر الشعبي العام”، وهو حاجته لدفع تهمة تبعيته لجماعة “الإخوان المسلمين” التي تطاله بحكم قربه من حزب “التجمع اليمني للإصلاح”، والذي يضم بين صفوفه رموزاً كبيرة مصنفة عالمياً كداعمة للإرهاب، وهو الحزب المحسوب أيديولوجيا على جماعة “الإخوان” التي لا تروق لكثير من أنظمة الحكم الخليجية التي تدعم الأحمر في حربه باليمن، وهذا ما يفسر ذهاب البعض إلى تفسير خطوة الأحمر بالتقرب من “المؤتمر” والابتعاد عن “الإصلاح” بأنها ناتجة عن ضغوط إقليمية وإماراتية على وجه التحديد على خلفية ضغوط دولية.
لا أميل كثيراً إلى التفسير الذي يقول إن خطوة ابن الأحمر هذا تستهدف الرئيس هادي؛ فالأول لن يجد أفضل من الثاني يجاريه ويتفق معه حد التطابق بأهم الأمور وأخطرها باليمن في هذه المرحلة الحساسة، مثل مسألة فرض مشروع الستة أقاليم التي يقف خلفها حزب “الإصلاح” السند الكبير للأحمر، ويتحمس لها هادي بقوة منقطعة النظير. هذا علاوة على أن جنوبية هادي يتم استثمارها بإتقان من قبل كل تفرعات ورموز شرعيته بمن فيهم اللواء الأحمر.
زد على ذلك أن هادي ليس بالرئيس الذي يمتلك من القوة والجرأة ما يمكنه من الوقوف بوجه رجل قوي كعلي محسن، الذي يتسلح بأسلحة متعددة الأصناف: قبلية، عسكرية، حزبية، مالية، ودينية متشددة عابرة للقارات؛ فهادي رجل سلطة يميل إلى المداهنة والمسالمة وهو يتعاطى مع شؤون الحكم حتى وإن كان الرجل الأول في الحكم، وما فترة بقائه الخامدة كنائب للرئيس بجانب الرئيس السابق، على عبد الله صالح، طيلة أكثر من عقدين من الزمن إلا دليل على ذلك، فلم يسجّل الرجل أي موقف صدامي مع رئيسه السابق، أو مع أي من أركان حكمه، برغم تعمد البعض منهم استفزازه والانتقاص من دوره وشخصيته، ولن يكون عكس ذلك اليوم مع الأحمر، وهو -أي الأحمر- عرّاب قد عرفت عنه شكيمة قوية نافذة إلى أبعد الحدود، ويمتلك عقلية ذكية في فترة حكم الرئيس السابق صالح (الذي اتسم بالتسلط والهيمنة ودام بسند قوي من الأحمر أكثر من ثلاثة عقود من الزمن)، ولاعب ماهر مع ثعابين التيارات الدينية المتشددة التي تمتلك من الخبرة بالبطش ما يمكنها من تطيير كل الرؤوس من فوق الأكتاف.